أحدث المواضيع

3/recent/post-list

إتحاد المغرب العربي ..الحلم المغتال

الكاتب: العلوي حسن
يمتد المغرب العربي على مساحة تقدر ب 5.782.140 كلمتر مربع ، و يضم خمسة بلدان و هي ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و موريطانيا ، و يقع المغرب العربي في شمال القارة الإفريقية ، على ساحل البحر الأبيض المتوسط و المحيط الأطلسي ، له تسميات أخرى كالمنطقة المغاربية ، و المغرب الكبير ، و شمال إفريقيا و المغرب الإسلامي ...، و يتكلم سكان هذه المنطقة عدة لغات كالعربية و الأمازيغية و اللغة الحسانية و لغة الطوارق ، فماهي المميزات التي تجعل هذا الإتحاد قوة إقتصادية ؟ و ماهي الأسباب التي تعرقل الإتفاق و الإتحاد بين دول هذا الإتحاد ؟
تعد منطقة المغرب العربي ، منطقة غنية إقتصاديا أذ تتوفر الدول المكونة للإتحاد على ثروات معدنية هائلة ، كالفوسفاط و الذهب و الحديد و اليورانيوم و الغاز و النفط ...، كما تحتضن حيزا زراعيا خصبا و متنوعا ، يتكون من الحمضيات والخضراوات و الفواكه و الحبوب و النخيل ، أما صناعيا فتنتشر العديد من المركبات الصناعية البتروكيماوية و الميكانيكية و صناعة الملابس و الأنسجة داخل دول الإتحاد ، كما تعد السياحة قطاعا حيويا ، حيث تعد تونس و المغرب نقط جذب سياحي عالمي .
إن دول المغرب العربي تعد دول ترتقي مراتب متقدمة على أية حال في سلم التنمية ، كما يعرف ناتجها الإجمالي معدلات لابأس بها ، كما تحل دول الإتحاد مراتب الصدارة في مجموعة من الصناعات و موارد الطاقة على مستوى المنطقة  الإفريقية و العربية  ، فليبيا تتوفر على أكبر إحتياطي من النفط في إفريقيا ، كما تعتبر تونس الأولى في مؤشر تبني الديمقراطية ، في حين تتوفر الجزائر على أكبر إحتياطي من النفط في إفريقيا ، أما المغرب يعد الأول في السياحة في إفريقيا ، و الأول عربيا في إستثمارات الطاقة المتجددة ( أنظر مقال ' نور ' هدية الشمس للمغرب ) ،أضف الى هذا موريطانيا التي تعد الأولى عربيا في إنتاج الحديد الخام . أن هذه المميزات التي تتميز بها دول الإتحاد ،كفيلة بجعل إتحاد المغرب العربي قوة لا يستهان بها على جميع الأصعدة ، تضاهي بها قوة إتحادات إقليمية أخرى كالإتحاد الأوروبي و مجلس التعاون الخليجي و مجموعة ٱسيان ...، فالغنى الطبيعي و الإقتصادي و البشري و الموقع الإستراتيجي، يجعلان من إتحاد المغرب العربي إستثناءا كبيرا ، يجعل أبواب النجاح و الإزدهار منفتحة على مصراعيها أمامه .أضف إلى ذلك السمات المشتركة التي تميز دول الإتحاد كالدين و اللغة و المصير المشترك و التي تعد بحد ذاتها ميزات إيجابية و نقط قوة لإزدهار الإتحاد .
لقد نشأ نوع من الوعي السياسي و القومي لدى الطبقة الواعية في صفوف شعوب المنطقة مع بروز أولى إشراقات فجر الإستقلال ، تولد عنه نداءات بضرورة توحيد منطقة المغرب العربي  ، و إستثمار السمات المشتركة لشعوب المنطقة من أجل بناء إتحاد يحمل ٱمال شعوب دول منطقة المغرب العربي ، إذ إستجابت القوى السياسية البارزة ٱنذاك و المتمثلة في حزب الأستقلال المغربي و الحزب الدستوري التونسي و جبهة التحرير الوطني الجزائري  لنداء شعوب المنطقة ، فتبنت فكرة تأسيس إتحاد إقليمي يضم الدول الخمسة للمغرب العربي ، لتتوالى بعد ذلك تأسيس التكتلات و اللجان بين دول المنطقة ، كاللجنة الإستشارية للمغرب العربي عام 1964 م ، و بيان جربة الوحدوي بين ليبيا و تونس عام 1974 م ، و معاهدة الإخاء بين الجزائر و تونس و موريطانيا عام 1983 م ، لتأتي سنة 1989 و بالضبط يوم 17 ابريل ، الذي سيعرف تأسيس إتحاد المغرب العربي إبان مؤتمر مراكش ،و الذي جاء بعدة أهداف نبيلة تخدم شعوب دول المنطقة ، أساسها الأخوة و التفاهم و الدفاع المشترك و تبني تنمية مستدامة ، و إنشاء إقتصاد قوي و عملة موحدة ، و تسهيل مرور الأشخاص و البضائع بين دول المنطقة .
إنها فعلا لأهداف سامية و أفكار رائدة تلك التي خرج بها قادة إتحاد المغرب العربي ، كانت لتشكل لحظة بارزة في تاريخ شعوب المنطقة ، و لحظة إزدهار و ارتقاء لدول المنطقة ،لكن الإتحاد فشل في الصرخة الأولى لولادته ، إذ فشل في تحقيق جل أهدافه المسطرة و المتفق عليها بين القادة في مؤتمر مراكش عام 1989 م ، و ذلك نتيجة إختلاف الروئ و الٱراء حول مجموعة من القضايا الدولية ، بالإضافة الى إختلاف الإنتماء السياسي لبعض الدول بين المعسكر الإشتراكي و المعسكر الرأسمالي ،وقد أعتبرت قضية الصحراء المغربية حجرة عثرة أمام بناء إتحاد المغرب العربي ، إذ تعرف المغرب و الجزائر صراعا حول هذه القضية ، فالمغرب يقر بأن الصحراء ملك له بقوة القانون و التاريخ و الجغرافيا ، و يشن حربا على عدة مستويات ضد تنظيم البوليزاريو الإنفصالي ، في حين تقوم الجزائر بالمناورة و دعم تنظيم البوليزاريو بالسلاح و المال بدعوى أنه من حق الصحراويين تقرير مصيرهم  ، كما تأزمت العلاقة بين البلدين الكبيرين داخل الإتحاد ، بعد إقدام الجزائر على إغلاق حدودها مع المغرب عام 1994 م ، كرد على فرض المغرب للتأشيرة على المواطنين الجزائريين الراغبين في دخول التراب المغربي ، نتيجة أحداث إرهابية عرفتها مراكش و تورط فيها رعايا جزائريين ، ومن المشاكل التي ساهمت في إغتيال حلم الإتحاد ، قضية ( لوكربي ) التي إدعت إبانها ليبيا عن تخلي دول الإتحاد عنها و عن الدفاع عن مواطنيها المتورطين في هذه القضية ، لتغير ليبيا من سياستها بعد ذلك متجهة لبناء علاقات مع دول إفريقيا و أمريكا اللاتينية ، متخلية بذلك عن حلم الإتحاد ، و إختيار معادات المغرب من خلال الإنضمام للجزائر في دعمها لمليشيات البوليزاريو الإنفصالية ، ومن المشاكل أيضا التي واججها الإتحاد ، التدخل القوي للمنظمات و الجمعيات الأمازيغية ، التي تعتبر إطلاق إسم ( المغرب العربي ) على الإتحاد ، إقصاء لجدور شعوب المنطقة الأمازيغية ، و إقبار للثقافة الأمازيغية السائدة داخل دول الإتحاد ، لتقترح هذه المنظمات الأمازيغية إسم ( شمال إفريقيا ) كإسم رسمي للإتحاد .
إن فشل الإتحاد و إحباط ٱمال شعوب دوله ، ولد حالة من اليأس و فقدان الأمل من إعادة إنبعاث هذا الإتحاد ، الذي لطالما كان حلما كبيرا لشعوب  المنطقة ، خصوصا مع الأحداث التي تلت الربيع العربي ، و سقوط الأنظمة الحاكمة في كل من  ليبيا وتونس و الاوضاع السياسية الصعبة في الجزائر . الشئ الذي سيتطلب سنوات لته‍دئة الأوضاع المتوترة داخل هذه البلدان ، مما يعني سنوات أخرى من الإنتظار و الأحلام .

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.